فقد حدثني بعض الإخوة،أن أخاه تزوج من الجن وأنجب منها أبناء،فهل هذا صحيح؟؟
الباب الموفى ثلاثين في مناكحة الجن :
قد قدمنا مناكحة الجن فيما بينهم وهذا الباب في بيان المناكحة بين الإنس والجن والكلام هنا في مقامين
أحدهما في بيان إمكان ذلك ووقوعه والثاني في بيان مشروعيته أما الأول فنقول نكاح الإنسي الجنية وعكسه ممكن قال الثعالبي زعموا أن التناكح والتلاقح قد يقعان بين الإنس والجن قال الله تعالى ) وشاركهم في الأموال والأولاد ( وقال - صلى الله عليه وسلم - إذا جامع الرجل امرأته ولم يسم انطوى الشيطان إلى أحليله فجامع معه
وقال ابن عباس إذا أتى الرجل امرأته وهي حائض سبقه الشيطان إليها فحملت فجاءت بالمخنث فالمؤنثون أولاد الجن رواه الحافظ ابن جرير
ونهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن نكاح الجن وقول الفقهاء لا تجوز المناكحة بين الإنس والجن وكراهة من كرهه من التابعين دليل على إمكانه لأن غير الممكن لا يحكم عليه بجواز ولا بعدمه في الشرع
فإن قيل الجن من عنصر النار والإنسان من العناصر الأربعة وعليه فعنصر النار يمنع من أن تكون النطفة الإنسانية في رحم الجنية لما فيها من الرطوبة فتضمحل ثمة لشدة الحرارة النيرانية ولو كان ذلك ممكنا لكان ظهر
أثره في حل النكاح بينهم وهذا السؤال هو الذي أورد على المسألة الباعثة على تأليف هذا الكتاب والجواب من وجوه
الأول أنهم وإن خلقوا من نار فليسوا بباقين على عنصرهم النارى بل قد استحالوا عنه بالأكل والشرب والتوالد والتناسل كما استحال بنو آدم عن عنصرهم الترابي بذلك على أنا نقول إن الذي خلق من نار هو أبو الجن كما خلق آدم ابو الإنس من تراب واما كل واحد من الجن غير أبيهم فليس مخلوقا من النار كما أن كل واحد من بني آدم ليس مخلوقا من تراب وقد أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه وجد برد لسان الشيطان الذي عرض له في صلاته على يده لما خنقه وفي رواية قال النبي - صلى الله عليه وسلم - فما زلت أخنقه حتى برد لعابه فبرد لسان الشيطان ولعابه دليل على أنه انتقل عن العنصر الناري إذ لو كان باقيا على حاله فمن أين جاء البرد روقد بسطنا القول في انتقالهم من العنصر الناري في الباب الثالث الذي عقدناه في بيان ما خلقوا منه فلا حاجة بنا إلى إعادته وهذا المصروع يدخل بدنه الجني ويجري الشيطان من ابن آدم مجرى الدم فلو كان باقيا على حاله لأحرق المصروع ومن جرى منه مجرى الدم
وقد سئل مالك بن أنس رضي الله عنه فقيل إن ههنا رجلا من الجن يخطب إلينا جارية يزعم أنه يريد الحلال فقال ما أرى بذلك بأسا في الدين ولكن أكره إذا وجدت امرأة حامل قيل لها من زوجك قالت من الجن فيكثر الفساد في الإسلام بذلك
وهذا الذي ذكرناه عن الإمام مالك رضي الله عنه أورده أبو عثمان سعيد بن العباس الرازي في كتاب الإلهام والوسوسة في باب نكاح الجن فقال حدثنا مقاتل حدثني سعد بن داود الزبيدي قال كتب قوم من إلى مالك بن أنس رضي الله عنه يسألونه عن نكاح الجن وقالوا إن ههنا رجلا من الجن إلى آخره
الوجه الثاني إنا لو سلمنا عدم إمكان العلوق فلا يلزم من عدم إمكان العلوق عدم إمكان الوطء في نفس الأمر ولا يلزم من عدم إمكان العلوق أيضا عدم إمكان النكاح شرعا فإن الصغيرة والآيسة والمرأة العقيم لا يتصور منهن علوق والرجل العقيم لا يتصور منه إعلاق ومع هذا فالنكاح لهن مشروع فإن حكمة النكاح وإن كانت لتكثير النسل ومباهاة الأمم بكثرة الأمة فقد يتخلف ذلك
الوجه الثالث قوله ولو كان ذلك ممكنا لكان ظهر أثره في حل النكاح هذا غير لازم فإن الشيء قد يكون ممكنا ويتخلف لمانع فإن المجوسيات والوثنيات العلوق فيهن ممكن ولا يحل نكاحهن وكذلك المحارم ومن يحرم من الرضاع والمانع في كل موضع بحسبه والمانع من جواز النكاح بين الإنس والجن عند من منعه إما اختلاف الجنس عند بعضهم أو عدم حصول المقصود على ما نبينه أو عدم حصول الإذن من الشرع في نكاحهم أما اختلاف الجنس فظاهر مع قطع النظر عن إمكان الوقاع وإمكان العلوق واما عدم حصول المقصود من النكاح فنقول إن الله امتن علينا بأن خلق لنا من أنفسنا أزواجا لنسكن إليها وجعل بيننا مودة ورحمة فقال تعالى ) يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء ( وقال تعالى ) هو الذي خلقكم من نفس واحدة وجعل منها زوجها ليسكن إليها ( وقال تعالى ) ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون ( وقال تعالى ) فاطر السماوات والأرض جعل لكم من أنفسكم أزواجا ( والجن ليسوا من أنفسنا فلم يجعل منهم أزواج لنا فلا يكونون لنا أزواجا لفوات المقصود من حل النكاح من بني آدم وهو سكون احد الزوجين إلى الآخر لأن الله تعالى أخبر أنه جعل لنا من أنفسنا أزواجا لنسكن إليها فالمانع الشرعي حينئذ من جواز النكاح بين الإنس والجن عدم سكون أحد الزوجين إلى الآخر إلا أن يكون عن عشق وهوى متبع من الإنس والجن فيكون إقدام الإنسي على نكاح الجنية للخوف على نفسه وكذلك العكس إذ لو لم يقدموا على ذلك لآذوهم وربما أتلفوهم البتة ومع هذا فلا يزال الإنسي في قلق وعدم طمأنينة وهذا يعود على مقصود النكاح بالنقض وأخبر الله تعالى أنه جعل بين الزوجين مودة ورحمة وهذا منتف بين الإنس والجن لأن العداوة بين الإنس والجن لا تزول بدليل قوله تعالى ( وقلنا اهبطوا بعضكم لبعض عدو )
وقوله - صلى الله عليه وسلم - في الطاعون وخز أعدائكم من الجن ولأن الجن خلقوا من نار السموم فهم تابعون لأصلهم .
وفي الصحيحين من حديث أبي موسى قال احترق بيت في المدينة على أهله بالليل فحدث النبي - صلى الله عليه وسلم - بشأنهم فقال إن هذه النار إنما هي عدو لكم فإذا نمتم فاطفئوها عنكم فإذا كانت النار عدوا لنا فما خلق منها فهو تابع لها في العداوة لنا لأن الشيء يتبع أصله فإذا انتفى المقصود من النكاح وهو سكون أحد الزوجين إلى الآخر وحصول المودة والرحمة بينهما انتفى ما هو وسيلة اليه وهو جواز النكاح وأما عدم حصول الإذن من الشرع في نكاحهم فإن الله تعالى يقول ) فانكحوا ما طاب لكم من النساء ( والنساء اسم للإناث من بنات آدم خاصة والرجال إنما أطلق على الجن لأجل مقابلة اللفظ في قوله تعالى ) وأنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن ( وقال تعالى ) قد علمنا ما فرضنا عليهم في أزواجهم ( وقال تعالى ) إلا على أزواجهم ( فأزواج بني آدم من الأزواج المخلوقات لهم من أنفسهم المأذون في نكاحهن وما عداهن فليسوا لنا بأزواج ولا مأذون لنا في نكاحهن والله أعلم هذا ما تيسر لي في الجواب وفتح الله علي به وبالله التوفيق . (1/81)
من كتاب : آكام المرجان فى احكام الجان للشبلي