هل كان سحر رسول الله يصاحبه مس من الجن ؟
بسم الله الرحمن الرحيم
القاعدة الشرعية أن الحكم على الشئ فرع عن تصوره .. الذي يتصوره الناس أنه لا يحصل سحر إلا بتلبس في الجسد .. ولأجل ذلك جرى الأمر عند الرقاة والمتعنين بالرقية أن الشيطان ينتظر دهرا والسحر متعطل حتى يجد فرصة يلج بها جسد الإنسان فيعمل السحر .. والجان عند الطرد من الجسد يهدد أنه لو خرج فسيدخل غيره ليعمل السحر عمله مادام معقودا قائما .. هذا أمر علمه الناس .. ولكن الذي لم يعلمه أحد - إلا إن ثبت فيه نص - هو أنه هل كان سحر رسول الله صلى الله عليه وسلم هو كسحر سائر الناس ؟ وهل يمكن أن يحصل سحر بغير تلبس ودخول في جسد الإنسان ؟
الجواب
نعم يحصل سحر بغير تلبس ولا حصول مس في المسحور وليس شرطا لفاعلية السحر دخول الجان في الأجساد .. ومن لا يعرف ذلك فلا عبرة به لأن عدم العلم بالشئ لا يفيد عدمه .. ودليل ذلك قول ربنا تبارك وتعالى : ( قال ألقوا فلما ألقوا سحروا أعين الناس واسترهبوهم وجاؤوا بسحر عظيم ) .. السحر وقع على الأعين لا على الأعيان .. ولو كان حصول السحر مرتبطا بسيطرته الكلية على المراد سحره لقال ربنا ( فسحروا الناس ) .. ولكنه قال : ( فسحروا أعين الناس ) .. غير ذلك أن سحر كل الناس الموجودين على كثرتهم أمر بعيد - وهو مصداق تخصيص الله للعيون دون أصحابها في الآية - لأن مثل فرعون عندما يريد إقامة الحجة فإنه يجمع أكبر حشد من البشر ولأجل ذلك قال ربنا على لسانه : ( وأن يحشر الناس ضحى ) والحشر إنما هي أداة تستخدم للمبالغة في كثرة العدد .. فمن يظن أن السحر لا يحصل إلا بدخول الجان في الإنس فهو مخطئ .. لأن ربنا ذكر أن السحر يكون من الخارج دون دخول شئ من الشياطين عندما قال : ( فسحروا أعين الناس ) دون أن يُرجع حصول السحر في أصحاب الأعين .. وربما اعترض قائل بأن ذلك من باب ذكر الجزء والمراد به الكل .. والخاص الذي يراد به العام .. الجواب عليه في قول موسى : ( فلما ألقوا قال موسى ما جئتم به السحر إن الله سيبطله ) .. ولو كان مسحورا كما يتصور الناس اليوم لما استطاع أن يقول شيئا .. ولانقاد للسحر وتأثيره وما قدر أن يرمي شيئا ولا أن يحاج بشئ ولا أن يعارض بشئ .. وقوله ذلك دليل أنه لم يقع السحر على جسده بل كان بالخارج يراه كما يراه عامة الناس .. فبذلك زعم أن مضي السحر يلزم منه دخول الجان في الإنسان زعم باطل .. وبذلك لا يلزم أن يكون شئ من الشياطين قد دخل جسد رسول الله صلى الله عليه وسلم - لدلالة الآيات السابقة - .. ودليل آخر ما رواه الإمام مسلم في صحيحه عن عبدالله بن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " ما منكم من أحد إلا وقد وكل به قرينه من الجن .. قالوا : وإياك يا رسول الله ؟ قال : وإياي إلا أن الله أعانني عليه فأسلم .. فلا يأمرني إلا بخير " ( رواه مسلم ) .. فما دام قرينه قد أسلم وهو خلاف ما عليه أمر أمة محمد صلى الله عليه وسلم .. فذلك أدعى أن لا يقوى شيطان على الإقتراب منه .. وقد ثبت لك آنفا أن السحر يكون فاعلا من غير تلبس ولا مس .. وذلك ما كان يحصل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما كان يتخيل .. والله يوفق الجميع .