يقول تعالى فى سورة الحجر((ولقد خلقنا الانسان من صلصال من حمأ مسنون *والجان خلقناه من قبل من نار السموم))
فهذه الايه دالة دلاله واضحه ان الجن قد خلقوا قبل الانس وهذا مما لامجال فيه للاختلاف ولكن الاختلاف فى بيان خلقهم قبل الانس بكم عام.
قال ابوحزيفه اسحاق بن بشر القرشى فى المبتدأحدثنا عثمان حدثنا الاعمش عن بكير بن الاخنس عن عبد الرحمن بن باسط القرشى عبد عبد الله بن عمرو بن العاص رضى الله عنه قال :خلق الله تعالى بنى الجان قبل ادم بالفى عام.
وقال بعض العلماء انه خلق قبل ادم باربعين سنه
وقال اسحاق ايضا :حدثنى جوير واسحاق باسنادهما (ان الله تعالى خلق الجان وامرهم بعمارة الارض فكانوا يعبدون الله جل ثناؤه حتى طال بهم الامد فعصوا الله وسفكوا الدماء وكان فيهم ملك يقال له يوسف فقتلوه فارسل الله تعالى عليهم جندا من الملائكه كانوا فى السماء الدنيا وكان فيهم ابليس الذى اصله من الجن وكان على راس اربعة الالف فهبطوا الارض فاقتتلوا واجلوهم عنها والحقوهم بجزائر البحر فسكن ابليس والجند الذين كانوا معه الارض فهان عليهم العمل واحبوا المكث فيها. )وهذا الكلام محل نظرلاسباب عديده وان كان فيه الصحه فى اوله الا انى وددت ذكره حتى لا يفوتنا شيء قد ورد فى هذا الباب دون ذكره فى التبيان.
وقال بعض العلماء ايضا: ان الجن خلقت قبل ادم وكان قبل الجن على الارض الحن والبن وهى مخلوقات مثل الجن ايضا فسلط الله عليهم الجن فقتلوهم واجلوهم منها وسكنوها من بعدهم .
وقال شهر بن حوشب وغيره: كان ابليس من الجن الذين كانوا يعمرون الارض قبل ادم وعندما فسدوا وسفكوا الدماء ارسل الله اليهم الملائكه فقتلوهم وكان ابليس من الجن فاسره بعضهم وذهب به الى السماء.
وذكر السدى فى تفسيره عن ابى مالك عن ابى صالح عن ابن عباس وعن مره عن ابن مسعود وعن اناس من اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم (لما فرغ الله من خلق ما احب استوى على العرش فجعل ابليس على ملك الدنيا وكان من قبيله من الملائكه يقال لها الجن وانما سموا الجن لانهم خزان الجنه وكان ابليس مع ملكه خازنا فوقع فى صدره انما اعطانى الله هذه لمزيه لى على الملائكه.
فلما وقع ذلك الكبر في نفسه اطلع الله على ذلك منه فقال الله للملائكة { إني جاعل في الأرض خليفة } قالوا ربنا وما يكون ذلك الخليفة قال يكون له ذرية يفسدون في الأرض ويتحاسدون ويقتل بعضهم بعضا قالوا ربنا { أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك ؟ قال إني أعلم ما لا تعلمون } يعني من شأن إبليس فبعث الله جبريل إلى الأرض ليأتيه بطين منها فقالت الأرض إني أعوذ بالله منك أن تقبض مني أو تشيني فرجع ولم يأخذ وقال رب مني عاذت بك فأعذتها فبعث ميكائيل فعاذت منه فأعاذها فرجع فقال كما قال جبريل فبعث ملك الموت فعاذت منه فقال وأنا أعوذ بالله أن أرجع ولم أنفذ أمره فأخذ من وجه الأرض وخلط ولم يأخذ من مكان واحد وأخذ من تربة حمراء وبيضاء وسوداء فلذلك خرج بنو آدم مختلفين فصعد به فبل التراب حتى عاد طينا لازبا واللازب هو الذي يلتزق بعضه ببعض ثم قال للملائكة { إني خالق بشرا من طين فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين } فخلقه الله بيده لئلا يتكبر إبليس عنه ليقول له تتكبر عما عملت بيدي ولم أتكبر أنا عنه فخلقه بشرا فكان جسدا من طين أربعين سنة من مقدار يوم الجمعة فمرت به الملائكة ففزعوا منه لما رأوه وكان أشدهم فزعا منه إبليس فكان يمر به فيضربه فيصوت الجسد كما يصوت الفخار و تكون له صلصلة فذلك حين يقول { من صلصال كالفخار } ويقول لأمر ما خلقت ودخل من فيه فخرج من دبره وقال للملائكة لا ترهبوا من هذا فإن ربكم صمد وهذا أجوف لئن سلطت عليه لأهلكنه فلما بلغ الحين الذي يريد الله عز وجل أن ينفخ فيه الروح قال للملائكة إذا نفخت فيه من روحي فاسجدوا له فلما نفخ فيه الروح فدخل الروح في رأسه عطس فقالت الملائكة قل الحمد لله فقال الحمد لله فقال له الله رحمك ربك فلما دخلت الروح في عينيه نظر إلى ثمار الجنة فلما دخل الروح في جوفه اشتهى الطعام فوثب قبل أن تبلغ الروح رجليه عجلان إلى ثمار الجنة فذلك حين يقول تعالى { خلق الإنسان من عجل } { فسجد الملائكة كلهم أجمعون إلا إبليس أبى أن يكون مع الساجدين } أبى واستكبر وكان من الكافرين قال الله له ما منعك أن تسجد إذ أمرتك لما خلقت بيدي ؟ قال أنا خير منه لم أكن لأسجد لمن خلقته من طين قال الله له { اخرج منها فما يكون لك } يعني ما ينبغي لك { أن تتكبر فيها فاخرج إنك من الصاغرين } والصغار هو الذل قال { وعلم آدم الأسماء كلها } ثم عرض الخلق على الملائكة { فقال أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين } أن بني آدم يفسدون في الأرض ويسفكون الدماء فقالوا { سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم } قال الله { يا آدم أنبئهم بأسمائهم فلما أنبأهم بأسمائهم قال ألم أقل لكم إني أعلم غيب السموات والأرض وأعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون } قال قولهم { أتجعل فيها من يفسد فيها } فهذا الذي أبدوا { وأعلم ما تكتمون } يعني ما أسر إبليس في نفسه من الكبر
وهذا ما ذكره ابن كثير فى تفسير القران الكريم الا ان هذه الروايه فيها اسرائليات كثيره لعل بعضها مدرج ولكن ناخذ منها ما هو غير مدرج
وذكر الضحاك عن ابن عباس ان الجن لما افسدوا فى الارض وسفكوا الدماء بعث الله اليهم ابليس ومعه جند من الملائكه فقتلوهم واجلوهم عن الارض الى جزائر البحور.
وفى الجمع بين تلك الاراء- والله اعلم- ان ابليس من حى من احياء الجن وانه نزل مع الملائكه الى الارض فابادوا الجن الذين سفكوا الدما ء وفسدوا فى الارض وقتلوهم واجلوهم الى مكان يعلمه الله وهو الثبت من قول الملائكه لله تعالى فى سورة البقره(واذ قال ربك للملائكة انى جاعل فى الارض خليفه*قالوا اتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لكقال انى اعلم ما لاتعلمون) كما ان ياجوج وماجوج من بنى ادم فلما فسدوا فى الارض بنى ذو القرنين السد عليهم0
ولا يشترط ان يكون ابليس من الملائكه حتى يقاتل الجن مع الملائكه كما لايشترط ان يكون جنس الذين مع ابليس من الجن فمن الممكن ان يتحد ابليس الذى هو من الجن مع الملائكه لقتال الجن كما انه من الممكن ان يتحد بنى ادم مع الملائكه لقتال بنى ادم المفسدين والكفار كما فعلت الملائكه فى غزوة بدر حيث امد الله المسلمين بمدد من الملائكه لقتال الكفار. والله تعالى اعلم